نطمئنك أن ما تفعله ابنتك ناتج عن غياب التوجيه الجنسي والتربية الجنسية إن صح التعبير التي تهيئ البنت لاستقبال هذه المرحلة المهمة في حياتها، والتي تحفل بالتغيرات الشديدة، والتي تفاجأ بها الفتاة، وتضطر للتعامل معها بما يهديها تفكيرها إليه أو كما يوجهها بعض زميلاتها، وهي عند ذلك عرضة للتصرف الخطأ أو المفهوم الخطأ، خاصة بالنسبة لمسألة الحيض؛ حيث يمكن أن يتكون لدى بعض الفتيات مفهوم أنه شيء معيب يجب أن تخفيه أو نقص يجب ألا تظهره؛ وذلك طبعًا لغياب التوجيه السليم والذي يجب أن تقوم به الأم قبل فترة مناسبة من حدوث الحيض، كدلالة على بلوغ الفتاة لسن المراهقة.
ويكون ذلك التوجيه مع ظهور العلامات الجنسية الثانوية، مثل ظهور الشعر تحت الإبط والعانة وبداية ظهور الصدر؛ حيث يكون ذلك إشارة لقرب حدوث الحيض فتقوم الأم بإعداد الفتاة نفسيًّا لذلك، بأن تجلس إليها وتخبرها أن ظهور العلامات الثانوية بداية لانتقالها من مرحلة الطفولة إلى مرحلة جديدة هي البلوغ.
وتبدأ الأم في شرح كيفية حدوث البلوغ من تغيرات هرمونية في الجسم، وما يتبعه من تغيرات جسمية أنثوية، ثم ما يطرأ إلى الجهاز التناسلي من تغيرات، والتطور الذي يحدث، وكيفية حدوث الحيض، وكيف أنه الاستعداد الشهري للرحم لاستقبال المولود أو البويضة الملقحة التي سوف تصبح مولودًا، وكيف أن هذه التغيرات كلها تحدث إعدادًا للمرأة لأداء دورها العظيم في الحمل والولادة من أجل استمرار النسل وتكاثره؛ لتحقيق رسالة خلافة الله - سبحانه وتعالى - في الأرض.
وأن هذا هو الغاية من تركيب المشاعر الفطرية الطبيعية في الانجذاب بين الرجل والمرأة، وتحدثها عن طبيعة هذه المشاعر وسمو وظيفتها بحيث يصبح الجنس مصدرًا للمتعة، ولكنه يؤدي أسمى رسالة يقوم بها الإنسان وهي خلافة الله في الأرض؛ ولذا يجب أن تحافظ على هذه المشاعر وتحفظها ليس لأنها عيب أو قذرة، ولكن لأنها مشاعر سامية لها رسالة عظيمة؛ ولذا فهي لا يجب أن تخجل مما يحدث بها من تغيرات، ولكن تتعامل معها بطريقة طبيعية كمرحلة في حياتها تمثل نقلة جديدة في حياتها كجسر لدخولها مرحلة الشباب.
وبعد ذلك تشرع الأم في تعليمها الجوانب الشرعية للحيض، وكيف تتعامل معه، وكيفية النظافة الشخصية أثناءه، ثم كيف تتطهر منه، وما يترتب على ذلك من أحكام شرعية بالنسبة للصلاة والصيام ومسّ المصحف وغير ذلك.. وتتابعها عن كثب، وتجيبها على أسئلتها التي ترد على ذهنها بعد هذا الحوار بدون حرج وبصورة مفتوحة تمامًا، ولا تتحرج من أي معلومة أو تكذب فيها؛ لأن البنت إذا شعرت أن الأم لا تعطيها المعلومة كاملة فإنها ستبحث عنها وتصل إليها من مصدر آخر لا نعلمه، وسيعطيها لها محملة بالأخطاء والعادات السيئة والضارة، فنحن لن نستطيع وقتها أن نعلم ماذا سيقول لها هذا المصدر والذي غالبًا ما تكون زميلاتها.
وتجعل الأم المجال مفتوحًا بينها وبين ابنتها بحيث إنه مع حدوث الحيض لأول مرة تكون الأم بجانب البنت تطمئنها وتذكرها بما قالته من معلومات وتطبقه معها بطريقة عملية، فتشعر الفتاة بالاطمئنان والثقة، وتشعر أن ما تمر به هي تغيرات طبيعية لا تستحق القلق أو الخجل، وهي أخطر مشاعر تشعر بها الفتاة في هذه السن.. بعدها تكون الأم بجوار الفتاة لأي مستجدات في هذه الفترة مثل العادة السرية أو المشاعر ناحية الجنس الآخر، حيث إن ما سمعت الفتاة من أمها من كلام نظري بدأ يظهر أمامها، فينتج عنه تساؤلات عديدة يجب أن تكون الأم مستعدة له بغير تخويف؛ حيث تلجأ بعض الأمهات للتخلص من هذا الموقف إلى التعامل مع الجنس وقضاياه كشيء محرم لا يجب الاقتراب منه أو عيب لا يصح الحديث فيه، فيكون أمام الفتاة أحد اختيارين كلاهما خطير.
إما أن تتقوقع على نفسها ويدخل في خلدها أن الجنس عيب أو أمر قذر أو شيء لا يصح الحديث فيه، ويتكون لديها موقف نفسي مضاد للجنس، أو خوف من ذلك المجهول يؤثر على علاقتها الجنسية مع زوجها عند الزواج، خاصة وأن هذه الأم سيستمر موقفها مع هذه البنت بنفس الصورة حتى عند زفافها، ولن تحدثها في هذا الأمر أو ما يجب أن تعلمه أو تعرفه عن هذه الليلة، فتستمر مشكلة البنت حتى تتحول إلى أزمة كبرى في حياتها.
أو الموقف الآخر هو أن تغري هذه الصورة الغامضة التي تقدمها الأم عن الجنس - ذلك المحرم الذي لا يجب الاقتراب منه البنت أن تخوض غمار ذلك المجهول بحثًا عن هذه المعلومة الغائبة، وتحصل عنها من أي مصدر، ويكون لديها شغف أن تسمع وتقرأ، بل وتجرب هذا العالم المجهول الذي لا يتحدث عنه أحد إلا سرًّا، في حين أن الأم لو تعاملت مع الأمر ببساطة، وشرحت الأمور لابنتها وكل ما تسأل عنه، كتعبير عن أن الجنس عملية طبيعية في حياة الإنسان يمارسها مثل ما يمارس أي شيء طبيعي في حياته، بشرط أن يكون ضمن الضوابط والقواعد الشرعية، حيث يكون الزواج هو الوسيلة والطريق لذلك، وفيما عدا ذلك فإن مضمون الأمر وأحداثه أمر عادي لا يتسم بهذا الغموض أو التحريم.
وهناك يكون دور الأم الواعية استكمالاً لتربيتها الجنسية الصحيحة لابنتها، والتي ستكون أمرًا طبيعيًّا في سياقه المعتاد هو أن تهيئ ابنتها لاستقبال مرحلة الزواج، سواء أثناء عقد الزواج وما هو مسموح به وما هو غير مسموح به، وما ستشعر به من مشاعر وما سيحدث من تغيرات، وما يترتب على ذلك أيضًا من أحكام شرعية، ثم الاستعداد لليلة الزفاف وطمأنة البنت لأحداثها، ولفض غشاء البكارة كحدث سيمضي سلسًا عاديًّا مثلما مرت بها كل أحداثها الجنسية السابقة، وكيفية تهيئتها لزوجها، وكيف تستمتع وتمتع زوجها في إطار من النظافة والصراحة والتعليم المنضبط.
هذا ما تحتاجه بناتنا من تهيئة للدخول إلى مرحلة المراهقة.. وإذا لم تكن حدثت فالوقت لم يفُت، ويمكن استدراك ما لم يتم بهدوء، وإذا لم تكن الأم مستعدة لذلك فلتتسلح بالقراءات التي تعينها على ذلك، خاصة المعلومات التشريحية والفسيولوجية الخاصة بالجهاز التناسلي للأنثى، وأيضًا تفاصيل المعلومات الفقهية.. هكذا تنشأ بناتنا سويات نفسيًّا من هذه الناحية.